
“لا تخشي علي يا أمي فإني لا أخاف رصاص الأعداء،
ولا أجزع من الموت في سبيل عزّة وطني”
محمد
بن صالح بن زمزم الدغباجي أصيل بلدة الحامة بولاية قابس وينحدر من قبيلة الخرجة (آل
الخريجي)، وهي فخذ من الأفخاذ الأربعة التي
تكوّن قبيلة بني زيد السليميّة التي استقرت في الحامة بعد الفتح الاسلامي.
ولد
بوادي الزيتون سنة 1885 ولم تتعدّ دراسته حفظ بعض السّور من القرآن. ورغم تعلمه المحدود،
فإن بعض الأحداث المفصلية، التي أثرت في حياة الدغباجي فجرت جوانب من قدراته، وأبرزت
شخصيته النضالية فأصبح قائدا عسكريا، ومناضلا.
جندي
بسيط يقود حركة مقاومة
فرّ
الدغباجي من المعسكر الفرنسي في مدينة الذهيبة التابعة لولاية تطاوين في أقصى الجنوب
التونسي والتحق بصفوف المقاومة مع خمسة من رفاقه، وشارك في بداية نشاطه في مهاجمة الحصون
الفرنسية بالجنوب وهو جندي بسيط ولا يزال في ريعان شبابه.
انخرط
الدغباجي في العمل الجهادي على واجهتين، من جهة الفرنسيين في تونس ومن جهة ثانية الفاشيين
في ليبيا، وتذكر الروايات جهاده إلى جانب خليفة بن عسكر في ليبيا منذ عام 1918، وكان
ينتقل إلى تونس كلما كانت الظروف الأمنية ملائمة.
ولم
يغب محمد الدغباجي على أهمّ المعارك التي خاضها بن عسكر ضدّ الايطاليين مثل معركة ذهيبة،
من 18 إلى 23 سبتمبر 1915، وحصار مركز أم صويغ بين 2 و9 أكتوبر 1915 وحصار ذهيبة للمرّة
الثانية من 20 إلى 25 جوان 1916، ثم حصار رمادة 26 و27 جوان 1916، إلاّ أنّ عدّة عوامل
خارجيّة وأخرى داخليّة كانت وراء عودة الدغباجي إلى الجنوب التونسي.
عاد
الدغباجي على رأس مجموعة فدائية وقام بالعديد من العمليات القتالية الناجحة ضد المستعمر
الفرنسي وفي محاولة لكبح جماح المقاومة عمدت القوات الفرنسية إلى ردم الآبار لمنع المياه
عن المقاومين كما حاولت استدراج الدغباجي عن طريق “عمار بن عبد الله بن سعيد” الذي
وعدته السلطات الاستعمارية الفرنسية بتولي منصب “خليفة”.
ومع
عودة الدغباجي إلى التراب التونسي، تناهت إلى مسامع الفرنسيين أخباره فعزموا على مطاردته،
والمطالبة برأسه خاصة بعد حادثة “الزلوزة” في غرّة جانفي 1920، التي قتل فيها عدد من
أعضاء الديوانة الفرنسيين.
فقاموا
بالانتقام من أهالي بني زيد والتنكيل بهم وهجروهم مع حيواناتهم، ووضعوا الرجال في السجون،
والنساء في محتشد خاص، وأجبر أهل الحامة على حمل السلاح ضد العميل “عماربن عبد الله
بن سعيد.
واقعة
الزلوزة
منطقة
الزلوزة توجد بالحامة في ولاية قابس، وسبب هذه المعركة أنّ أحد أعوان الديوانة الفرنسيّة
بالحامة البريقاديي بولو كان يضطهد الناس بتعلّة مطاردة المهربين لمادّة الملح.
وقد
شاءت الصدف أن التقى به الدغباجي بدوار “الزلوزة” وهو يفتش الأهالي ويتوعّدهم بتسليط
غرامات مالية عليهم فأطلق عليه الرصاص مع ثلاثة من أعوانه وارداهم قتلى وكان ذلك يوم
(1 جانفي 1920).
وكان
من نتائج ذلك أن قامت السلط الفرنسيّة بحملات تمشيط استهدفت أهل الحامة وسجنت بعضهم
بتهمة مساعدة أو مشاركة الدغباجي في هذه الواقعة وإخفائه.
واقعة
المغذية
حلّ
الدغباجي وجماعته بدوار الغرايرة من المكان المسمّى المغذية يوم 6 أفريل 1920 وقد داهمتهم
قوّات الأمن وأمطرتهم بوابل من الرصاص.
ولئن
قتل اثنان من الجانب الفرنسي كما قتل بعض المتعاونين معه (بلقاسم بن عمّار العمامي
ومحمّد بن سعيد الفطناسي) فقد قتل من جماعة الدغباجي أحمد الغيلوفي وجرح كلّ من الدغباجي
في ذراعه وإبراهيم بن حفيظ وحسين الجماعي ومحمد بن عمّار.
وإثر
هذه المعركة فرّ الدغباجي واتّجه نحو الجنوب، سالكا سلسلة جبال مطماطة. وكانت السلطات
الفرنسيّة جندت عددا مهمّا من أعوانها لمطاردته ورفاقه (12 شخصا).
وقد
خلدت الأشعار هذه الواقعة إذ وردت قصيدة بعنوان “تلاقوا ملقى شين” على لسان الشاعر
مبارك بن عمر الزيتوني (من شعراء الحمارنة ببلدة زركين الواقعة بين مارث وقابس).
واقعة
الجلبيانة
اندلعت
هذه المعركة يوم 12 أفريل 1920 وقد تبادل في أثنائها الطرفان إطلاق النار، ومن اللحظة
الأولى سقط خمسة من الجانب الفرنسي وفرّ الخمسة الباقون، أمّا جماعة الدغباجي فلم يصب
أحد منهم بأذى.
وآمن
الثائر محمد الدغباجي بالنضال المشترك في الدول العربية والاسلامية وتزعّم العديد من
التنظيمات التحريرية، ويذكر انه انتقل الى فلسطين وخاض عدة معارك ضد الاحتلال البريطاني هناك.
وقد
تمت محاكمته غيابيا يوم 27 أفريل 1921 والقضاء بإعدامه مع جمع من رفاقه، الذين التحقوا
بالتراب الليبي، ولكن المستعمر الإيطالي لم يتأخر في القبض عليهم وتسليمهم للسلطات
الفرنسية.
وفي
غرّة مارس 1924، اقتيد البطل إلى ساحة سوق بلدته حيث أعدم.
ويروى
أنه رفض العصابة، التي تقدم بها نحوه ضابط فرنسي ليضعها على عينيه، رفضها ساخرا من
الموت، ويروى أن زوجة أبيه زغردت لهذا المشهد، وهتفت عاليا، مباركة شجاعته والشرف الذي
نالها منه.
خلدت
معارك الدغباجي ضد الاحتلال الفرنسي في تونس والإيطالي في ليبيا إسمه في تاريخ النضال
ضد الظلم والاحتلال من اجل الحرية وكرامة الشعوب.
مصدر لمقال: مجلة ميم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق